أكتب هذه الخاطرة وأنا في قطار السكة الحديدية متوجهاً إلى الإسكندرية وحولي مجموعة من الأجانب يتجاذبون الحديث ومعهم مجموعة من المصريات وليس بينهم مصري ذكر واحد، أسمع قهقهات ضحكاتهم تملأ المكان في غير ما ترو، أو أدنى درجات الذوق الراقي الذي تسربلت به حضارتنا الشرقية التي نعتز بها، أظنهم يرون أنفسهم يصعدون معارج المجد وهم يتهاوون إلى أسفل الحضيض، وأتذكر مثل العقاد الذي ضربه للغراب يقلد مشية الحجل ونسي مشيته الفطرية فلا هو صار حجلاً ولا بقي غراباً، أتساءل عن أسباب هذا الاغتراب الحاصل لأبنائنا وبناتنا حتى أضحوا يتشبثون بكل غريب، وانبهروا حد الانهيار فصاروا لقمة سائغة لكل دخيل، وأتساءل عن المهمة التي يؤدونها في يوم جمعة أغر ويتطلب سفرهم من القاهرة إلى الإسكندرية، ثم أتساءل عن دور الأسرة في متابعة الأبناء وتقديم النصح لأبنائها والتكافل الاجتماعي الذي يمتد خارج حدود المادة إلى تحصين الأسرة نفسها بإطار من القيم المنتظمة لتشكل بوصلة توجه السلوك وتحدد معالمه. وسط كل تلك التساؤلات التي عصفت بذهني للحظات، يدوي صوت هادر في أعماق أعماقي يهزأ بكل مسخ صاغ شخصيته وفق هوية غيره واعتنق أفكاراً ومبادئ بالية رغم امتلاء جيوب حضارته بالماس وثمين الجواهر، لكنه الانهزام الثقافي والتشويش العقلي المتعلق بقيم المرء، وتاريخه وهويته، إن أصاب شخصاً ما أصبح مطية أو قل بهيمة تساق.
وكيلا تتهاوى الحصون لا بد من تمتين النواة الأولى للمجتمع "الأسرة"، ولا بد من إحاطتها بسور واق من القيم الحامية الحافظة وتبصير افرادها بهويتهم، وغرس الاعتزاز بها في نفوسهم، حتى لا يصعدون نحو نهايتهم.