الأحد، 19 أكتوبر 2008

خواطر معلم


في العام 2001 انتقلت لأعمل معلماً في مدرسة اليرموك وهي مدرسة عريقة من المدارس العتيقة في غزة والتي لها صيت ذائع فدخلت المدرسة بحماسة متقدة، وهمة وثّابة لأصطدم بمدير ... حاول اطفاء حماستي وإحباط همتي، فكان أن كتبت أعبر عن مشاعري بعد سنتين من المعاناة في لحظة احتدم فيها الخلاف بيني وبينه علّ الرسالة تصل إليه فيصلح من نفسه، فكانت هذه الخاطرة...
قلت هذا بستاني.. هذي جنتي.. فيها أعطي ولا أبخل، أعمل ولا أكلّ، اجتهد، ولا أملّ، فهي جنة بربوة إن أصابها وابل آتت أكلها ضعفين، وإن لم يصبها وابل فطل.
ظننت الأرض نقية تمسك الماء، وتنبت الكلأ، فما وجدتها كذلك..
قلت لعلها أجادب تمسك الماء، ولا تنبت الكلأ، فما وجدتها أيضاً كذلك..
ويا حسرتاه.. لقد وجدتها قيعة.. ووجدت الماء فيها سراباَ..

أتعبني المسير.. نظرت لعلي أرى شجرة أستظل بظلها..


فرأيت صبارة تقف وسط الحر شامخة، لها ظل يسير..
قلت يا صبار لك شوك.. وظلك قصير..
أأقف إلى جوارك.. أم أسير.. حاولت السير.. ولكني وجدت نفسي لهذا المكان أسير..
غرني السراب.. غرتني القشور..
وامتهنت التعليم ظاناً أنها تجارة لن تبور..
فوجدت تهديداً ووعيداً بالويل والثبور.. ووجدت تعقيداً لكل الأمور..
ما أكثر الدفاتر والسجلات..
قيم وسلوك..وتحضير ومرافق.. علامات ومستويات وواجبات، وأحوال.. وغياب وحضور..
وإن غفلت لحظة.. أو تكلمت كلمة.. فقد أفسدت الطابور..
وهو الأهم والأولى، وأما الدرس فيكفي فيه مجرد المرور..
وإن اعترضت.. فكأنك تنادي من في القبور..
وإن رفعت الصوت شاكياً.. فالويل لك كيف تزعج المقبور..
كيف تتجرأ على القول بأن العادل يجور..
يقولون لك إن الصدر رحب.. والصدر كالتنور يفور..
فإن نبست ببنت شفة فأنت الذي أطفأت كل نور..
ففمك هذا يفيض كبراً وغرور.. وأنت عن الأنشطة غائب فليس لك حضور..
ومكانك في عالم النسيان أصلاً.. فمن أذن لك بالظهور..
فاذهب وتوضأ.. أو حتى صل بغير طهور..
فالمهم ألا تتكلم.. ومهما اضطهدت فعليك أن تبدي البشر والسرور..
هذي شكوى صابر.. فكيف بشكوى المقهور؟!..
أبو محمد
17/9/2003
20 رجب 1424ه

الجمعة، 17 أكتوبر 2008

موعظتي لنفسي


يا دنيا غري غيري
الزاهد فيك غني عنك والرغب فيك فقير إليك
من استغنى عنك عز، ومن طلبك تعب وذل
وعن الصراط زاغ وزل، وعن الهدى ابتعد وضل
فأنت كالدواء لا يؤخذ منك إلا بقدر
ومن أسرف لحق به الضرر
فإليك عني خلي بيني وبين ربي
يا فاتنة يا مضلة يا مهلكة يا دنيا غري غيري
ما أحقرك ما أصغرك
أخرجي من قلبي لأطأك بقدمي فأعلو وأعلو
وتناطح هامتي السحاب وتقف همتي فوق الثريا
وأطلب العلا من الأعلى فبه أسمو به أعلو
يا نفس
دنيانا غرورة
صغيرة محقورة
زائفة...
وأملاكها فانية مبتورة
لا ينشغل بها عاقل ولا يغتر بها لبيب
تخون كل حبيب وتحتقر كل مريد
من طلبها صار طريد
ومن سكنها فهو شريد
إذ المستقر في دار الوعد والوعيد
والدنيا دار فناء وزوالها ليس ببعيد
فيا نفس اتعظي وليكن لك من ذلك ما يفيد.

مهارة الخشوع


بينما كنت غارقاً في فكرة أغوص في أعماقها باحثاً عن جوهرة في محارة في ظلمة الأعماق...
أخرجني صوت زميلي ينادي علي، ويسألني عن حالي...
فبرق في خاطري تساؤل...
كيف لم أسمعه؟! مع أنه لا يفصلني عنه أكثر من متر واحد...
ثم تبينت أنني أجلس معه بجسدي، لكن تفصلني عنه مسافات لأن ذهني كان يسبح في فضاء بعيد عن المكان الذي أقبع فيه..
يا للعجب كيف يكون الإنسان هنا بينما هو هناك، وكيف يكون حاضراً في مكانين في وقت واحد... ولكن.. إلى أي المكانين أنتمي حقاً؟!
إلى المكان الذي أتواجد فيه بجسدي أم إلى المكان الذي أحلق فيه بفكري..؟!
تذكرت قصة الصحابي الذي طلب أن تبتر ساقه في الصلاة..
علمت كيف يحلق المرء في العالم العلوي إذا رزق الخشوع وأتقن الفكر..
كأنني أدركت سراً من أسرار الذكر، ودعوة الرحمن للفكر..
أدركت أن الذكر والفكر صنوان، والخشوع ثمرة من ثمراتهما، ذكر في الصباح، وذكر في المساء، وذكر عند الخروج، ورابع عند اللباس، وخامس عند وضع الثياب، وسادس عند النوم، وسابع عند الاستيقاظ وثامن وتاسع وعاشر و...
أذكار مستمرة أنى حللت أو ارتحلت فأنت في ذكر دائم..
ذكر لا يثمر إلا إذا تدبرت ما تقول..
فالشجر لا يثمر في إلا في وجود أسباب الحياة، "وجعلنا من الماء كل شيء حي"
فيا باغي الخشوع اقبل..
بالفكر قرين الذكر تصل مبتغاك، وترث يا قلبي خشوعاً في حناياك، فرطب بالذكر فاك، وامزجه بالفكر تزكو سجاياك..
رزقنا الله وإياكم الخشوع.
أبو محمد
7 / يوليو / 2007
الساعة 8:21 صباحاًَ