الخميس، 12 يناير 2012

ايكولوجيا المفاهيم (4) طابور الحياة

أبدأ الحكاية من أحد الشوارع في إحدى المدن المنسية بسبب انعدام النظام، أكوام من البشر على باب محل قيل إنه مخبز، يتدافع الناس.. يتصارعون.. كل منهم يريد ربطة خبز، يتنافس المتراكمون أيّهم يأخذ ربطته أولاً، وتدور بين الفينة والأخرى جولة من المصارعة بين اثنين من المتراكمين أيّهم يأخذ ربطته أولاً، يأتي ثالث ينادي على بائع الخبز، فيخبره بأن يدخل من الباب الخلفي، يدخل الرجل يأخذ ربطته من فوره فهو رجل صاحب نفوذ وعلاقات فنحن في زمن بائع الخبز رجل له وزن، فهو يستطيع أن يعطيك الخبز قبل الآخرين، ويجنبك الانتظار، وساحة المعارك بعيداً عن كتلة البشر المتصارعة.
بعيداً عن ساحة المعركة وفي أطراف المشهد وقف رجل مهيب، تبدو عليه أمارات العلم والتحضر،  ينتظر في مشهد يدفع للتساؤل عن سبب وقفته هكذا فيما الناس منشغلون بتدبير أرزاقهم، يقترب منه السيد نظام ليسأله عن ذلك، يجيب الرجل أقف انتظر حتى يحين دوري لآخذ ربطة خبز حين يحين دوري. ضحكة مجلجلة تملأ المكان يطلقها نظام ويقول له إذن لن تجد خبزاً تأخذه، يندهش الرجل ويجيب ولمَ؟، يجيبه نظام لأن النظام هو غياب النظام.
عندما تنعدم المعايير، ويغيب تكافؤ الفرص ونعيش حياة الغاب ويغيب المنطق عن الأشياء يصبح عاشق النظام محلاً للسخرية والاستهزاء، ويصبح الاستثناء هو القاعدة، والقاعدة هي الاستثناء، ويصبح الطبييعي مستهجناً والمستهجن طبيعياً، هل أدركتم ما نفعله حين نفتح الأبواب الخلفية فيعطى أصحاب النفوذ، وندفع الناس إلى التصارع فيما يصبح عقلاء الناس محلاً للسخرية والاستهزاء.

الخميس، 5 يناير 2012

عقوق المتربين ألم عميق

مؤلم جداً أن نحب من كل قلوبنا، نحب الفناء لأجل من نحب، ونعشق تراباً داس عليه صغاراً رأيناهم يكبروا أمام أعيننا، واعتبرنا رسالتنا أن نعبر بهم إلى بر الأمان، فلما اشتدت أعوادهم أساؤوا معنا أدبهم، وطالت علينا ألسنتهم، ورمونا بسهام العصيان، وظنوا أنهم كبروا، وما كبروا، بل صغروا كثيراً لأن الكبار كبار الشيم.
قد تصيب القلب غصة للحظات من تمرد حبيب رعيت وداده دهراً، ودعوت له في صلواتك وخلواتك، وتمنيت له السلامة من الكرب، وجاهدتك جهدك لتتجاوز به المحن، وأتعبك وكانت ولادة نجاحه قيصرية، وكان قلبك يتقطع عليه كل يوم وأنت تدفعه لانجاز رحلته قبل فوات أوانها، ثم لما ظن أنه قد خرج من عنق الزجاجة كافأك بسوء الادب، وطول اللسان، وربما تشبع قلبه بعظيم نكران.
أقول لكل أب ومرب وراع خاب ظنه في نبتته، احتسب عند الله أجرك، وارم بذيئاً من عقلك فالأصفار ليس لها اعتبار.

الثلاثاء، 3 يناير 2012

اسقاط التعالي

لا تعجبن إذا علمت أن كل متكبر يستشعر نقصاً يفوق الوصف فيسعى بكل قوة لانكار نقصه الفطري البشري، ثم يتحول من  انكاره هذا إلى حيلة دفاعية أخرى هي التعويض الزائد فيزعم كمالاً، وفهماً وإدراكاً وقوة، ومزايا ليست في أقرانه، وقد يراه الناس مجرداً منها، لكنه يوهم نفسه بذلك فيعامل غيره بتعالٍ ويمشي في الأرض مرحاً يجر ثوبه خيلاء، ويكلّم الناس من أطراف أطراف أنفه، ويلبس جلباباً فضفاضاً أكبر من مقاسه حتى لا يكاد يبين، ويتمنى لو هدم كل الصروح التي تحيط به لأنها تخفيه عن الأنظار وتظهر تقزمه.
تلك صفات أصحاب الكبر والغرور، ولا يقتلهم مثل تحقيرهم بالانصراف عنهم، وعدم الاكتراث لحضورهم، وإعطائهم الحجم الذي يستحقون من خلال إهمالهم، علّهم يعيدون حساباتهم، ولا أظنهم يفعلون، ولكن إن فعلت ذلك بهم، فلتكن على حذر فإن بعضهم قد لا يغفر لك ذلك أبد الدهر، وربما كاد لك من وراء حجاب، وحاول اغتيالك من تحتك، إنها دعوة للحذر وليست دعوة للخوف، وإلا فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.

الاثنين، 2 يناير 2012

كوابح شطحات التقنية

عندما تجلس أمام حاسوبك المحمول تنوي انجاز عمل معين، ثم تجد صفحة الفيس بوك خاصتك تأخذك وتشطح بك بعيداً، أو تسرح بك مقاطع اليوتيوب، أو يلهيك تصفح الأخبار، ويتآكل الوقت منك وأنت لا تشعر، تصبك حالة من الاكتئاب تتسلل لثنايا قلبك، ويعتريك شعور بالخيبة، والفشل، وتنال منك تلك المشاعر السلبية فتبدأ تفقد ثقتك بقدرتك على السيطرة على الأمور، وتشعر أنك مسلوب الإرادة، وأن العجز يتملكك من قمة رأسك حتى أخمص قدميك، عندها أنصحك بأن تغادر المكان كله وأن تغلق حاسوبك وتخرج إلى الحياة، وتبحث لك عن شيء فيه نوع من حركة تمارسه فتجدد حياتك، ولعل أسهل نشاط يمكن أن تقوم به هو ان تلتزم بصلاة الجماعة في المسجد، لأنها كفيلة بإخراجك من حالة العزلة التي تعتبر من أهم البذور التي تنبت تلك الحالة المقيتة، ثم لتجرب أي نشاط حركي رياضي، وليكن المشي مسافة طويلة، فإن المشي كفيل بنفض الكسل، وتجديد النشاط، وإثارة الحماسة، فتعود جديداً، متقداً، مشتعل الهمة، وأنا أجزم بأنك ستنجز في دقائق معدودة ما كنت تخطط لانجازه في ساعات.
إن ملازمة المكان وقتاً طويلاً يورث كآبة سوداء، تحجب عنك أنوار الفطنة كغمامة غطت كبد السماء فحجبت نور الشمس، بينما الحركة المستمرة الدائبة تجدد النشاط، وتوقد نور البصيرة، ومخالطة الناس رغم ما قد تلحقه بك من أذى لكنها ولا شك تشعل فيك وقودك، وتغذيك بالزاد لممارسة مهمتك في إعمار الأرض، وسنة الكون قائمة على السعي، والنجاح لا يأتيك يطرق بابك بل أن تحصله بمجهودك وسعيك نحوه، ولا يرتقي مكتف بتصفيق، أو فرح بانجاز بل الفائقون في الدنيا الذين كلما وصلوا مرتبة رنت أعينهم إلى ما هو أعلى منها لا طمعاً في زخرف دنيوي بل من منطلق فهم لمهمة خلافة الله في الأرض.
إن نواميس الطبيعة قائمة على الحركة وإن توازن المادة ناهيك عن الروح قائم على الحركة في كل مكان وزمان، فان الحركة إذا أضيفت إلى شيء زادت قيمته، فانظر إلى الساعة المتوقفة عقاربها، يقال عنها متعطلة، فإذا سارت صار الكل يقصدها ليدرك أغلى ما في الوجود "الوقت"، وانظر إلى الذرة كيف تبدو ساكنة وهي تزخر بالجسيمات المتحركة فيها، ولولا تلك الحركة لانفرط عقدها واختفت، فالحركة سر توازن الكون، ولو توقفت الأجرام السماوية عن الدوران في أفلاكها لسقطت في مراكز دورانها، وانتهى أمرها، فكيف بك أيها الانسان وأنت خليفة الله في الأرض، "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم مالا تعلمون" كيف بك لو تعطلت حركتك، أو تباطأت، وكيف بك لو كففت عن السعي، وانزويت بين جدران أربع، أو أمام زوايا شاشة حاسوب مربعة، كيف يكون بك الحال؟! وهل ستكون تلك حال من يريد إعمار الأرض وهداية الخلق.
من المفيد والرائع أن نستخدم التكنولوجيا المتطورة في إنجاز أعمالنا، لكن من المحزن أن نراها تأسر قلوبنا وتتحكم بمساراتنا، ومن المحزن أكثر أن تعيق التواصل المباشر بين الناس، فيتحادثون من خلف شاشات صماء، ويتكلمون عبر مكبرات صوت في غرف الدردشة أو عبر برامج المحادثة، إنها دعوة صادقة للتوازن، والحركة، لأنهما ميزان العمارة وأدوات الاستخلاف.

الأحد، 1 يناير 2012

كشف حساب

عام جديد كتبت سطوره في صحيفتك بمداد عملك، سجلت فيه كل سكنة وحركة لك صوتاً وصورة، وسوف يعاد بثها أمامك يوم العرض، يوم تجد كل نفس ما عملت محضراً وما ربك بظلام للعبيد، اجلس استرجع ما مر من أيامك صوتاً وصورة، وتأمل ما يريحك أن تراه، وما يزعجك تذكره ناهيك عن رؤيته، تدبر، وتخيل نفسك بين يدي ربك واقفاً وأنت ترى نفسك تبارزه بالمعاصي، تعصيه وهو يسترك، وتتمادى وهو يمهلك، تخيل نفسك وأنت يتساقط لحم وجهك بين يديه سبحانه حياءً مما جنيت، يا له من موقف عصيب، لن تحملك قدماك خوفاً وحياءً، وسوف تذوب بين ثنايا نفسك، وتتمنى لو ابتلعتك الأرض، أو أنك لم تكن، فتقول يا ليتني كنت تراباً.
أيتها النفس، أنت يا تلك النفس التي بين جنبي:
لا زالت أمامك فرصة لتتجنبي ذلك الموقف، ولتنجي من هذا العذاب النفسي المدمر، حل سهل، ندم، وإقلاع وعزم، ندم على ما جنيتِ، وإقلاع عن تلك الذنوب، وعزم أكيد على عدم العودة لها مرة أخرى، واستغفار مستمر وخوف ورجاء، ووجل وخشوع، ومن يدر فلربما استبدلت سيئاتك حسنات، فأنت مقبلة على كريم، إذا ناديته من بعيد ناجاك من قريب، وإذا تقربتِ منه ذراعاً تقرب منك باعاً، وإذا أتيتِه سعياً أتاك هرولة.
يا نفس هيا أقدمي وعلى الله أقبلي، وهو سيقبلك حتماً فهو الكريم الجواد، الرحمن الرحيم، أرحم بك من الأم بولدها، لو أتيته بقراب الأرض خطايا لأتاك بقرابها مغفرة، فتوبي وارجعي قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.