الاثنين، 19 ديسمبر 2011

ايكولوجيا المفاهيم 2 "نرجسية تهشم الزرع"

بعد أن شرعت في كتابة تدوينتي وكنت قد بدأت كتابة قصة حقيقية لكنني عزفت عن الاستمرار في الكتابة لأن كثيراً من التفاصيل تزعج القارئ وحتى لا يتسلل إليكم الملل قرّرت أن أختصر ما وددت قوله في سطور.
تفاجئني ترتيبات أولويات "النخب" في مؤسسة ما في بقعة ما من بقاع الأرض هناك على قارعة قارة في زاوية صغيرة من زوايا الدنيا، وعلى شواطئ بحر ازرق اللون أمواجه تعلو حينا، وتهدأ حيناً، وفي رقعة تكاد تكون بحجم الزنزانة، تولى مولانا منصباً كبيراً واسعاً فضفاضاً، وبدأ يرتب أولوياته:
كتب صاحبنا مهامه الجسام التي ينوي انجازها، ووضعها لموظفيه في خانة واحدة "هام وعاجل" أولوية من الدرجة القصوى.
أولويات صاحبنا مكتب فخم، وأثاث، ومكيف يجلب الدفء لأسلوبه البارد في التعامل مع موظفيه، طلاء الغرفة لتضفي جمالاً يخفي قبح أسلوبه الرديء، زيارات ميدانية لمجالات عمله لم تخرج أبداً عن إطار العلاقات العامة والبهرجة، التصوير في كل حركة وسكنة والتفاتة، وفي صدر الصورة شخصه الكريم، وسيارة حديثة تليق بزياراته المباركة، وفاتورة اتصالات باسمه، وهاتف دولي في مكتبه، وضيافة ينص عليها ليغدق على زواره الكرام على حساب المؤسسة الكريمة، وليذهب العمل بعد كل هذا للحجيم.
يسر إليه موظفوه بخطط عمل فيها فطنة وذكاء لكي يكتشفوا ما تطويه عنهم مؤسسات نشاز قليلة هي لكنها تعمل خارج القواعد والمعايير، في لحظة تجلٍ، ورغبة عارمة في اظهار الفهم، والتذاكي يفصح بخططه المستدرِجة لمن يفترض به استدراجهم، وتأخذه رغبته العارمة في استجلاب الثناء، وإبراز قدراته وذكاواته المتعددة ويحكي لهم عن أسرار عمله المفترض بها أن تظل طي الكتمان، والتي تقتضي أبجديات الحكمة اخفائها.
عارٌ علينا أن نتصدر في الناس ونحن لم نجاوز مرحلة التمركز حول الذات لا نرى إلا أنفسنا ولا نرى واجباتنا إلا من خلالها، نرجسية طاغية، ننظر إلى الدنيا في بئر سحيقة تبدو على صفحتها صورة الأشياء، لكننا لا نرى على صفحة ماء البئر إلا صورتنا فتصبح كل الأشياء نحن، ونحن كل الأشياء، فيكون الحلول وتكون المراوحة.
تلك حالة عايشتها ورأيت لها نماذج كثيرة تتفاوت في تمركزها حول ذواتها لكنها قاتلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، عندها تنتقل عدوى الظهور إلى الأتباع، وفي أحسن الأحوال تغتال الدافعية على أعتاب نرجسية واهية واهمة لقائد يحب المرايا، ويعشق الصور وتقتله رؤية شخوص غيره، ومعايشة الواقع، يبث في بيئة العمل أمواج الاحباط، ويغرس في أرض الفلاحة بذور الأنانية فتستحيل آفة شريرة تغتال المحصول من جذوره، وينخر السوس في ثماره فيصبح هشيما تذروه الرياح.

ليست هناك تعليقات: