الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

ايكولوجيا المفاهيم 3 "حداء يبث التفاني"

أحدهم في وزارة ما من وزارات السيادة، والريادة، أنبؤوه أنه سينقل، وأخبروه أين سينقل، أحدهم هذا له صديق في مكان عمله الجديد الذي سيتولاه بعد أيام تتجاوز العشرة بقليل، همس في أذن صديقه ليوقف العمل ويتباطأ في تنفيذ المهام، بدت أمور العمل في موقعه المنتظر قبل استلامه ميتة، بطيئة، تسير ببطء أو لا تكاد تسير، تذمُّرٌ ساد أركان المؤسسة من بطء العمل، جاء صاحبنا الهمام تسلم منصبه صبيحة الأحد ويوم الاثنين حُلَّت كل المشاكل، ودارت عجلة الانتاج بسرعة الريح.
ضحكة مجلجلة أسمع صداها في أعماقي، ينتظر صاحبنا أن يقول الناس أنه مصباح علاء الدين، أو ربما أنه الجني الراقد في ذلك المصباح، أو ربما هو من حبس الجني في مصباح علاء الدين، مريضة تلك الأنفس التي تتمحور حول ذواتها ولا تغادرها، فتوجه مصابيح الإنارة نحوها، وتبقي كافة الأركان مظلمة، ليكون صاحبها هو الرائد ومن حوله أتباع يكملون الصورة ويرسمون ملا مح صلاحه المصطنع.
قديماً قرأت أن القادة نوعان: نوع عملاق كبير لا يحب قيادة غير الكبار، ويرى قيادة الصغار تصغيراً له، ونوع لا يجيد إلاّ قيادة الصغار لأن حجمه صغير وأي كبير بجانبه يظهر تقزمه، فهو لا يبين إلا إذا ارتقى ظهور أتباعه.
يتذاكى بعضهم ويظن غيره بلا ذكاء، يكيد ويدبّر، ويصيح ويزمجر، وهو في أعينهم هباء، لأنه ما خرج من ذاته للحظة، بل ظل حبيسها، وقعد يراوح مكانه، وأوحى له وهمه أنه يحلق في السماء.
القيادة أيها الناس رعاية شئون الأتباع، والتفاني في البذل والعطاء. القيادة نصح ونصيحة، القيادة أن تأخذ بيد من معك وبإخلاص يتبعك، وترتقي به لمراتب علية، فيعلو وتبقى أستاذه، فإن علا فأنت قائده ومربيه، وإن دنا فأنت الملام وهذا تصغير لشأنك لأنك ما أفلحت بإحداث التغيير والإصلاح.
القيادة أن يشعر كل عضو في الجماعة أو المؤسسة أن له كيان، وأنه يملك سلطة وقراراً، وأنه جزء أصيل من بنيان العمل، وإلاّ فالغرق محتوم، والفشل ينتظرنا على أول ناصية.
سر النجاح حالة إلهام تسود، وهمة عالية تقود، وصدق وإخلاص تتلفحه فيكون أكفأ وقود، فتسير سفينتك تسابق الريح، ويصبح كل من معك قبطان، يجيد القيادة، ويدير الدفة وقت الحاجة، لكنه يعرف موقعه، ويؤدي مهمته، وتتكامل الجهود وتتآلف الأرواح فترتسم صورة تبعث في النفس سعادة الجمال، وفرحة الانجاز، وأصالة الانتماء، وتتوج القيادة رأس العروس بتاج العرفان، وتنسب الأعمال لأصحابها، وتبرز الأتباع، فتحرز الفضل، وتبث روحاً تثب لمهمة جديدة فيتواصل النجاح، ويستمر العطاء، وتبقى حالة الإلهام تحدو رفقاء الدرب فيكثر الرواحل، وتتقلص الإبل القاصية، وينسجم الركب خلف حاديه.

هناك تعليقان (2):

Mohamed I. Riffi يقول...

رائع جدا أخي الأستاذ أحمد كما عودتنا دائما، تغوص في أعماق النفس وتتحسس أمراضها، لتنصح أصحابها، ولتأنبهم بكلماتك الساخرة، علها تهز أعصابهم وتوقظ ضمائرهم.

د. محمد إسحاق الريفي

Unknown يقول...

جزاك الله خيراً، أسعدني مرورك، والله يا دكتور ما يحزن كثيراً أن من أستهدفهم لا يقرؤون ما أكتب لأنهم أصلاً ليسوا رواد فكر، ولا اصحاب حس أدبي، ولو كانوا كذلك لارتقت احاسيسهم، ولشعروا بعظم جريرة ما يفعلون، لكننا نكتب لأن هناك من يتسربل بالقيم أمثالكم يسعدون بقراءة مثل هذه الكلمات، إضافة إلى أن الكتابة تلبي حاجة دفينة في نفسي، وهي تمسح عني الهم، وتمثل متنفساً أخرج فيه ما أود أن أسمعه للدنيا صراخاً، عل الأجيال القادمة تسمع، أو علنا نخلق جواً أو بيئة مفاهيمية تعزز فرص التصويب.
جزاك الله خيرا،وبارك فيك، ونفع بك.