أن يرتدي كعباً عالياً يحاول أن يخفي فيه قصر هامته، أو أن يعيب الطول، ولهذا وجدنا من يقول كل طويل هبيل، ولم نجد أبداً من ينعت قصيراً بعيب، (مع اعتذاري لكل قصير قامة) فالقصير كما تقول جدتي قصير الذراع، وليس المقصود هنا أبداً القصر والطول الحسيين بل أسوق هذا المثل لألج فيه إلى موضوع غاية في الخطورة ألا وهو الحسد.
الحسد هو تمني زوال نعمة الغير كما تعرفون، واسبابه نفسية بالأساس، وهو من أنواع التفكير السبي إذ لا تجد انساناً ايجابياً يجيد الفعل واقع تحت تأثير الحسد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعاذ من ثمانية أشياء اراها مجامع الشر كله، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، ولو تدبرت الثمانية واردت جمعها في كلمة واحدة لكانت السلبية، فالهم قعود أمام مشكلاتك، وتوقف عن مواجهاتها واحساس يخيم عليك بثقل ما تواجه، والحزن شعور بالاحباط إثر مصاب جلل، وهو وليد الهم والله أعلم، والعجز هو غياب القدرة على الفعل، والكسل غياب الإرادة، والجبن غياب الشجاعة، والبخل ضعف القدرة على التغلب على حب المال بالبذل والانفاق، وغلبة الدين كثرته حتى يعجز المرء عن سداده، وقهر الرجال قدرتهم عليك معنوياً أو مادياً نعوذ بالله منها جميعاً.
المهم أنها كلها تنجم عن نقص صفات ايجابية في الانسان، وأرى ولست أزعم أني على صواب مطلق بل كلامي يحتمل الصواب ويحتمل غيره، ولكنها خواطري ابثها إليكم، أرى ان الحسد يأتي غالباً من العجز والكسل، فالحاسد إما عاجز لا يمتلك قدرة على الفعل فيتمنى لو كانت لديه قدرة المقتدرين، ويتمنى لو زالت منهم لأنه لا يستطيع الإتيان بمثل ما يأتوا، والكسلان لا يمتلك إرادة توجه طاقته وتخرجه من سباته لينطلق بين الناس فيتمنى لو زالت من بين أيديهم، وهذين الصنفين يبذلان جهدهما (السلبي) في النيل من اصحاب القدرة والإرادة أو على الأقل تثبيطهم وثنيهم عمّا هم منغمسون في فعله أو عازمون عليه، وسبلهم في ذلك قذرة دنيئة قد تمتد للنيل من شرفهم، أو سمعتهم، أو الانتقاص من أعمالهم النبيلة، بل وأحياناً يصل الأمر إلى حد قلب أفعال الطهر عهراً والعياذ بالله.
فيا صاحب الفعل، أنت هدار امض حيث شئت وللحساد نار، والنور أنت تبثه فكن للخيرين نعم الفنار.
هناك 4 تعليقات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رائع أخي العزيز الأستاذ أحمد أبو ندا، رائع في أسلوبك، وفي طرقك للموضوع وتناوله، وفي الربط بينه وبين الحديث الشريف لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي وصولك للخلاصة الحاسمة الت ترد فيها على الحساد وتفحمهم. بلا مجاملة، لك أسلوب مميز ونادر، وحبذا لو نشرت مقالك عبر الشبكات والمواقع. وأنا متأكد بأن هناك مواقع مرموقة ستتلقف مقالك كصيد ثمين وتنشره وتتواصل معك حوله. جزاك الله خيرا أخي العزيز وأكثر من أمثالك الطيبين النيرين. تحيتي ومودتي.
محمد إسحاق الريفي
رائع للغاية ،،
تعلمت في علم الكيمياء أن تسرب الكترون من المادة يترك فيها فجوة تسمح للاكترونات الحرة الأخرى أن تطعمها، أو بالمعنى المتداول "إضافة الشوائب لمادة ما",, وأعتقد ان الأمر مشابه إذا ما كان الحديث في خصالٍ إنسانية، فلا نستطيع القول بأن السلبية موجودة في الأشخاص أو أنها جبلّة إنسانية مفتولٌ عليها،، بل حريٌّ بنا معرفة "المنقوصات" الأخلاقية القيميةالتي لم تتواجد! ما سمح للجبلات السيئة أن تستشري في النفوس!
مقالكَ قيّم ،، بورك فكركم
عزيزي الدكتور محمد الريفي:
لا أجيد كلمات الثناء كثيراً، لكنك كما أحسبك والله حسيبك رجل تستحق الثناء، وأكثر ما يستدعي الثناء فيك هو مبادرتك إلى التفاعل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة والاستفادة منها في المجالات الدعوية والفكرية، فيما يتباطأ كثير من منتقدوك عن التكيف معها ناهيك عن التفاعل، وما اظن انتقادهم إما لقصور لحق بهم عن استخدامها أو التعامل معها، أو لحسد أكل قلوبهم لما رأوا علو قامتك، وارتفاع هامتك، وحب الناس لك.
لك مني كل ود.
أختي الفاضلة آية تعليق جميل يندرج تحت فلسفة اسقاط الظواهر الطبيعية على الظواهر الانسانية، وهو فلسفة أعشقها لأن الخالق واحد ولا شك هناك تشابه كبير بين سلوك المادة وسلوك البشر في كثير من الأحيان، لكن سلبية الالكترونات سلبية فطرية فرضتها سنة التنوع التي تعكس قدرة الخالق على خلق الأشياء وضدها، وخروجها من مدارها هو خروج تفاعل يتيح التواصل بين المواد، وتكوين روابط ووشائج محبة ووصال ومصاهرة بينها وبين النوع الآخر الموجب، وهي تتيح غالباً إنتاج مركبات جديدة تختلف في صفاتها عن صفات مكوناتها، لكن الذي أقصده سلبية من نوع آخر سلبية تناقض فطرة الأشياء، سلبية الميل للدعة والراحة، والعجز عن الفعل، والتعويض عن ذلك القصور بسلق الناس بألسنة حداد، ورميهم بنظرات الحسد التي ما فتئت تحاول أن تفت في عضد المخلصين.
تعليقاتك راقية وعميقة ودوما تدفعني لمزيد من التوضيح، والنقاش والارتقاء بمستوى التدوين.
شكراً لمروركم.
إرسال تعليق