عندما تجلس أمام حاسوبك المحمول تنوي انجاز عمل معين، ثم تجد صفحة الفيس بوك خاصتك تأخذك وتشطح بك بعيداً، أو تسرح بك مقاطع اليوتيوب، أو يلهيك تصفح الأخبار، ويتآكل الوقت منك وأنت لا تشعر، تصبك حالة من الاكتئاب تتسلل لثنايا قلبك، ويعتريك شعور بالخيبة، والفشل، وتنال منك تلك المشاعر السلبية فتبدأ تفقد ثقتك بقدرتك على السيطرة على الأمور، وتشعر أنك مسلوب الإرادة، وأن العجز يتملكك من قمة رأسك حتى أخمص قدميك، عندها أنصحك بأن تغادر المكان كله وأن تغلق حاسوبك وتخرج إلى الحياة، وتبحث لك عن شيء فيه نوع من حركة تمارسه فتجدد حياتك، ولعل أسهل نشاط يمكن أن تقوم به هو ان تلتزم بصلاة الجماعة في المسجد، لأنها كفيلة بإخراجك من حالة العزلة التي تعتبر من أهم البذور التي تنبت تلك الحالة المقيتة، ثم لتجرب أي نشاط حركي رياضي، وليكن المشي مسافة طويلة، فإن المشي كفيل بنفض الكسل، وتجديد النشاط، وإثارة الحماسة، فتعود جديداً، متقداً، مشتعل الهمة، وأنا أجزم بأنك ستنجز في دقائق معدودة ما كنت تخطط لانجازه في ساعات.
إن ملازمة المكان وقتاً طويلاً يورث كآبة سوداء، تحجب عنك أنوار الفطنة كغمامة غطت كبد السماء فحجبت نور الشمس، بينما الحركة المستمرة الدائبة تجدد النشاط، وتوقد نور البصيرة، ومخالطة الناس رغم ما قد تلحقه بك من أذى لكنها ولا شك تشعل فيك وقودك، وتغذيك بالزاد لممارسة مهمتك في إعمار الأرض، وسنة الكون قائمة على السعي، والنجاح لا يأتيك يطرق بابك بل أن تحصله بمجهودك وسعيك نحوه، ولا يرتقي مكتف بتصفيق، أو فرح بانجاز بل الفائقون في الدنيا الذين كلما وصلوا مرتبة رنت أعينهم إلى ما هو أعلى منها لا طمعاً في زخرف دنيوي بل من منطلق فهم لمهمة خلافة الله في الأرض.
إن نواميس الطبيعة قائمة على الحركة وإن توازن المادة ناهيك عن الروح قائم على الحركة في كل مكان وزمان، فان الحركة إذا أضيفت إلى شيء زادت قيمته، فانظر إلى الساعة المتوقفة عقاربها، يقال عنها متعطلة، فإذا سارت صار الكل يقصدها ليدرك أغلى ما في الوجود "الوقت"، وانظر إلى الذرة كيف تبدو ساكنة وهي تزخر بالجسيمات المتحركة فيها، ولولا تلك الحركة لانفرط عقدها واختفت، فالحركة سر توازن الكون، ولو توقفت الأجرام السماوية عن الدوران في أفلاكها لسقطت في مراكز دورانها، وانتهى أمرها، فكيف بك أيها الانسان وأنت خليفة الله في الأرض، "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم مالا تعلمون" كيف بك لو تعطلت حركتك، أو تباطأت، وكيف بك لو كففت عن السعي، وانزويت بين جدران أربع، أو أمام زوايا شاشة حاسوب مربعة، كيف يكون بك الحال؟! وهل ستكون تلك حال من يريد إعمار الأرض وهداية الخلق.
من المفيد والرائع أن نستخدم التكنولوجيا المتطورة في إنجاز أعمالنا، لكن من المحزن أن نراها تأسر قلوبنا وتتحكم بمساراتنا، ومن المحزن أكثر أن تعيق التواصل المباشر بين الناس، فيتحادثون من خلف شاشات صماء، ويتكلمون عبر مكبرات صوت في غرف الدردشة أو عبر برامج المحادثة، إنها دعوة صادقة للتوازن، والحركة، لأنهما ميزان العمارة وأدوات الاستخلاف.
هناك 4 تعليقات:
فتح الله عليك أخي الأستاذ أحمد، فقد طرقت موضوعا مهما وحيويا، ولا أبالغ أو أجامل إذا قلت إننا جميعا بحاجة إلى نصيحتك الثمينة التي تضمنها هذا الموضوع، ولا سيما الشباب من الطلاب والطالبات، الذين يسلبهم الفيسبوك عقولهم ويسرق حياتهم ويشغلهم فيما فيه المضرة ما لم يتم ضبط التواجد في عالم الفيسبوك والإنترنت.
جزاك الله خيرا وبارك فيك وفي علمك وجهودك النيرة.
ودمت بعز وخير
جزاك الله خير الجزاء على تعليقك النير، نسأل الله السداد والتوفيق لنا ولك، وقبل ذلك الإخلاص، وبعده القبول.
من العبث أن نتهم أنفسنا بالدونية حالما لا نحسن التعامل مع التقنية سواء انترنت أو أي تطبيق آخر,, لأنه ببساطة (الوضع الطبيعي) لإنسان لا زال لا يعرف ما يريد ! ،، تبقى "الاهتمامات" غالبة، ولنا أن نحسن التركيز فيما نظنه أهلاً للمرحلة، فهناك فرق بين أناسي تقودها أهدافها في الحياة،، وبين سوائم سهلة القياد أينما هبت ريحٌ عصفت بها!
عصرنا يتطلب منا أن نجعل من تعاملنا مع التقنية أمراً اعتيادياً لا مناص منه،، وتبقى نقطة التوازن مطلوبة منا وبالتأكيد لن تأتي اعتباطاً..!
هي دعوة للتوازن إذن.
ما دفعني للكتابة اشفاقي على بعضهم وهم ينساقون خلف التكنولوجيا دون وعي فهي تسوقهم دون انتباه، وقد يحدث هذا مع أي أحد كما أظهر استطلاعي مع كثير ممن اثق في فكرهم، وعلو قامتهم، لأن الغفلة ملازمة للانسان فمنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، وظالم لنفسه، فالناس متفاوتون، ولعل المقتصدين وظالمي انفسهم ينتفعون بما قلنا، والسابقون بالخيرات ننتظر منهم حداءً مشابهاً يحث الركب على توحيد المسار نحو النور والغاية المنشودة.
مسرور لمروركم.
إرسال تعليق