أسوأ ما يمكن أن يصيب البشر الميل للتصنيف وتجزيء المجزأ وتفتيت المفتت.. قتلتنا حزبية حمقاء، وداهمتنا "نخبة" دهماء، تربعت على عرش شعب مكافح في أحرج المراحل، وأدارت القضية بكل غباء، فسارت بنا نحو انقسام من الوريد إلى الوريد، شمل كل تفاصيل الحياة، وأورثنا أحقاداً لا نزال نعالجها إلى يوم غدٍ، يا أصحاب أحلام العصافير، اكبروا وانضجوا وارحموا الشعب من تفاهاتكم، وأعيدو لجسد فلسطين اللحمة بعد أن مزقته مراهقاتكم...
فمن المحزن أن نرى أناساً ممن ينظر إليهم على أنهم قادة قكر، وأصحاب رأي ومشورة _ ينساقون خلف تلك المشاعر السطحية الساذجة ويتصرفون بناءً على انطباعات، وانتماءات وولاءات حزبية مقيتة، وهم في ذات الوقت يرجون للمجتمع صلاحاً، وينشدون بزعمهم عدلاً، فيظلم من لا حزب له، ويسحق من كان معادياً، وتقسم الكعكة بحسب النفوذ، ويرفع العباد أكف الضراعة إلى مولاهم يشكون ظلماً وجوراً، فتتزعزع عروش كانوا يظنون أنها تزداد رسوخاً، ويتقوض حكم تمنوه رشيداً، كل هذا لأنهم جهلوا سنن الله الكونية التي اقتضت أن يقيم الله دولة الكفر العادلة ولا يقيم دولة الاسلام الظالمة...ولكن..
يبقى أمل.. وأملنا معقود على أصحاب الفكر، أولئك الذين عركتهم الحياة، فخبروا مسالكها، أولئك الذين تمرسوا على أن يوجهوا، وينصحوا، ويبينوا وأجرهم على الله، لا يبتغون منزلة، ولا يطلبون جاهاً، ولا يخطبون وداً، بل الله غايتهم، وسعادة الناس مطلبهم، ويتجاوزون جراحاتهم ليقفوا شامخين كالأعلام، ومرشدين كفنارات البحر المضيئة، ومترفعين على درب عبد الرحمن بن عوف، حالهم كحال أهل الجنة يقولون على الدوام: اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا...
إن الحالة الراهنة في فلسطين لا يقتصر تشخيصها على فلسطين وحدها، بل كل الأمة باتت مستهدفة اليوم بالتقسيم، والتجزئة لتباع ثروات الأمة على أرصفة المجتمع الدولي بأثمان بخسة دراهم معدودة، فيا كل العقلاء، أيها المشتغلون بالسياسة، داووا الجراح، ولموا الشمل، وجمعوا ولا تفرقوا، واعلموا أنكم وخصومكم في نفس السفينة وإن غرقت فستغرق بكم جميعاً، فتنبهوا.. تنبهوا..
تنبهوا قبل أن تغرقوا في ظلمات بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج، من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، فتصلون لتلك المرحلة التي فيها إذا أخرج أحدكم يده لم يكد يراها..
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها...... ولكن أحلام الرجال تضيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق