الاثنين، 7 نوفمبر 2011

إيابُ يسكّن الرّوع

فرع في هواء.. كلمة كثيراً ما ترددت على مسمعي وسمعتها مرة بعد مرة، كثيراً ما تخيلت الكلمة  وصورتها أو تصورتها، كأنها ماثلة أمامي فرع في هواء، لا ساق تحمله، ولا جذور تثبته، ولا ثمرٌ مهيؤٌ للنضج يزينه، فرع في هواء، نكرة لا تعرف له أصلاً، ولا نسباً، أو قل غريب في أرض بعيدة، المرء بعيداً عن أهله وعشيرته، وبعيداً عن وطنه الذي ترعرع فيه فرع في هواء، صحيح أنني لم أشعر يوماً أنني غريب في مصر الحبيبة إلى قلبي والتي أعشقها كما لم ولن أعشق بلداً أخرى، لكن لا مكان كالوطن.
ما أن وطأت قدماي أرض غزة حتى انتابني شعور لا أدي كيف أصفه، لكنه وبكل تأكيد نفس شعور الطير حين تأوي إلى أيكها، وهو ذات شعور الطفل الرضيع في حضن أمه، فقد استشعرت دفأها، كأنما احتوتني أرضها واحتضنتني ومسحت بيديها على رأسي، شعرت بحنان أرضها الطاهرة المقدسة، وشعرت بذلك الانتماء لطينتها، ورملها، وحصاها.
شعرت بأني ذلك الفرع كنت في هواء، وإذا بي أعود إلى أصلي وأوضع في ساقي التي هجرت، واتصل من خلالها بجذوري التي رسخت في تلك التربة الطاهرة لتسقيني ماء الوصال، وتذهب ظمأ عشقي الذي طال، فأغرد مع طيرها نشيد الحب الأبدي.
حنين غمر فؤادي وانتماء فاض من كل حناي، ليملأني راحة وطمأنينة، ولتقر عيني ويهدأ بالي، خصوصاً بعد غربة دامت شهراً وتسعة أيام.
آه كم تقت للمسة منك، كم اشتقت لنظرة إليك، كم تعطشت لرشفة من ماءك، وكم وكم وكم!!!
كأنما بعثت من جديد بعد موت طال طويلاً، وكأنما نفخت في الروح بعد انسلاخها، وكأنما أدخلت جنة عدنٍ دون حساب، عشق فلسطين لا تحده الكلمات، ولا تعبر عنها فصاحة العبارات، ولا يشعر به إلا من عرف قيمتها، وعشق تربها، وتلفح غبارها، واستنشق عبيرها..
يا بحر غزة كم استوحشت بعيداً عنك، موجاتك المتتابعة كانت تتراءى أمام ناظري صباح مساء، كنت أرمقها في أحلامي، كنت اسمع صوت هديرها في وسط الزحام، وشمس اصيلك كانت تداعب أجفاني عند المنام، في صحوي في انتباهي في غفوتي في منامي دوما كانت غزة ترقد في سويداء القلب هادئة تبث الأمل، وتبعث فيّ همة تجاوز حدود العقبات، همة لا تُرى نهايتها بل ينتهي أفق رؤياك دون أن ترى لها نهاية تماماً كما بحر غزة.
أتدرون شعوري لا أظنكم تعلمون...
أسمعتم قصة المرأة التي وجدت طفلها في السبي فألزقته ببطنها رحمة منها، أنا ذلك الطفل، وفلسطين تلك الأم، أشعر بشعور ذلك الطفل في حضن أمه، وأشعر بحنين ترب فلسطين كما حضنها تماماً،، اللهم أعد لنا فلسطين كلها عاجلاً غيرآجل يا رب العالمين...
وامنن يا رب بالإياب على كل مغترب، واجمع شمل من تفرق من الأحباب، ومن ابتعد عن الديار... اللهم آمين.

هناك تعليقان (2):

محمد فايز صالح اسليم يقول...

جميل جدا اخ أحمد وللامام وبالنجاح مدونة رائعة ومؤثرة بالفعل ,, احترامي

Unknown يقول...

الأجمل هو مرورك أخي محمد، ولا يشعر بجميل الكلام إلا صاحب قلب جميل، وفكر مستنير، وفهم عميق..
تحياتي لك وتمنياتي لك بدوام التوفيق والنجاح..