الجمعة، 11 نوفمبر 2011

أنت فينا يا أبي ما حيّينا

والدي..
رجل عظيم.. ليس لأنه والدي، ولكن لأنني كلما مررت من مكان مر به قبلي وجدت له أثراً، وكلما قابلت أحداً يعرفه أثنى عليه حتى وجدتني صغيراً إلى جواره، والدي الحبيب، لا زلت أذكر تلك اللحظات وهو يعلمني يمسك يدي ليدربني على الإمساك بالقلم، يعلمني الحساب، ويعلمني الكتابة والقراءة، لا زلت أذكر قصيدة درستها في الصف الرابع الأساسي، في كتاب القراءة والنصوص، لا زال صدى صوته يرن في أذني وهو ينشدني أشرق الصبح وغنت بالأهازيج الطيور، كل حي حين لاحت شمسنا حياه نور، ذلك الفلاح قام يسعى في ابتهاج وسرور،، نعم لا زالت نبرات صوته، وتنغيماته للأبيات، تقطيعها بشكل موسيقي جميل، وهو يعلمني كيف ألقيها كشعرٍ رصين وليس كأغنية يتغنى بها الصبية كما اعتدت أن أفعل وأقراني في ذلك الوقت، لا زلت افتخر بقدرتي على الإلقاء، ومهارتي في الخطابة، وأنا في حقيقة الأمررمدين له بهذا، مدين له به مرتين مرة لأنه علمنيه، ومرة لأنه حببني فيه.
نعم ففضله علي لا يكاد يحصى، لا زلت أفتخر بمقدرتي في اللغة الانجليزية، وهو معلمي الأول الذي علمني اياها، ولولاه لكنت كما غيري لا أعرف منها إلا النذر اليسير، ولما كبرت تعلمت أنه كان قد حمل عني حملاً كبيراً، فقد كان يكفيني حمل مجاملة الناس، وكان يكفيني حمل إخواني وأخواتي، وكان يكفيني حمل تحمل المسئولية في كثير من القرارات، فقد كان مستشاري الأول، وقد كانت مشورته دائماً صائبة، وان اختلفت معه أحياناً لكن الحياة علمتني أن اختياراته كانت أصوب من خاصتي.
لو قضيت الدهر كله اسرد مآثره ومحامده، ومناقبه ما كفاني ذلك فيه ليس لأنه والدي، ولكن لأن الرقي والأخلاق كانت رداؤه ولباسه، وديدنه، ولأنه غرس فينا حب الناس، وحب الخير، والتفاني لخدمة شعبنا وأمتنا، ووطننا..
أحن إليك يا أبي، وأحن إلى نظرتك الحانية، وأحن إلى توجيهاتك التي طالما أراحتني من التفكير، ورسمت لي معالم الطريق، وأضاءت لي ما أدلج منها.
رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، وغسلك بالماء والثلج والبرد، ونقاك من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أبتاه أنت فينا ما حيينا لا تغيب.

ليست هناك تعليقات: