في غرفة من غرفات قسم الجراحة بمشفى الشفاء بغزة، يرقد مريض ستيني على سريره، ويلتفُّ من حوله زوجته وأبناؤه، يكتم المريض أنّاتِه كعادته لا يريد أن يشعر عائلته بما يعانيه من ألم، وتوجع، نظراته تشخص للسماء أحياناً وتقر حيناً، نوبة من الربو تداهمه، يهم أحد أبنائه بالذهاب للبيت لإحضار بخاخة الربو، يخبر المريض ولده بأنه لا حاجة له بتلك البخاخة، ويقول له "احنا مش مطولين، عدنا روحنا"
صوت آذان العصر يرتفع، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، يردد المريض وعائلته خلف المؤذن، حي على الصلاة حي على الصلاة، يرمق الأبناء آباهم وهو يبدو منهكاً تعباً، ينظر الوالد إليهم في حنان، الصلاة يا أولادي الصلاة الصلاة، اذهبوا وصلوا العصر في المسجد، ينظر الأولاد إلى أبيهم في عطف وإشفاق، حاضر يا أبتاه سوف نصلي الآن، يستمر الأب في كتم أناته، والأولاد والزوجة يراقبون، تقام الصلاة، الله أكبر الله أكبر، ..قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الصلاة يا أولاد، الأولاد مشفقون على أبيهم الخارج تواً من العناية المركزة، ويتعللون رغبة في البقاء معه، زوجته تحثه على الصلاة، فينوي ويصلي وهو مضطجع، وولده يلقنه الشهادة فينطقها، عينا المريض تشخصان، تنظران إلى السماء، يتشبث الوالد بحافة النافذة بجانب سريره، يظن ولده أنه قد تشنج، يرفع يده ينظر إليه الأب معاتباً، يترك الولد يد والده، ترتخي يد الوالد المريض، ويخرج من فمه زفير، وتشخص عيناه تنظران إلى السماء، يهرع الأولاد ينادون الطبيب، يغلق الطبيب عينا المريض، ويقول لهم عظم الله أجركم.
كانت تلك لحظات يوم الثامن والعشرين من نوفمبر عام 2004 يوم وفاة والدي وكانت تلك لحظاته الأخيرة، خاتمة خير إن شاء الله، اللهم أدخله الجنة دون حساب ولا سابقة عذاب.
نكتة طريفة:
قد يستغرب البعض عنوان التدوينة رجل يتحدث عن موت والده ثم يسمي خاطرته قوس قزح، لا تستغربوا فقد اعتدت كتابة عنوان أي تدوينة بعد انتهائها، ذلك أن خاطرتي تسير بحسب مسار خاطري، أترك لها العنان، ثم بعد انتهاء توارد الأفكار وتدفقها أصعد إلى العنوان أعنونها بعد اكتمالها، وقد حاولت كتابة عنوان لتدوينتي فخطر لي ان أسميها خط الحياة/ الموت، ثم عدلت لأسميها طيف مقيم ذلك أن طيف والدي لا يفارقني، فتأملت فوجدت قوس قزح خطاً سامقاً كما كان والدي دوما سامياً بأخلاقه، ووجدته يمثل خطاً يرمز لخط الفصل بين الحياة الدنيوية وحياة البرزخ، ثم ألوان الطيف ترمز إلى طيفه المقيم بيننا فكان هذا هو سر تسميتها.