الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

رفيق الطريق



إياك أن تصاحب كتابًا لا تفهمه، أو أن ترافق صاحبًا لا ترتاح له، إياك أن تتبّع أحداً يحجب عنك الغاية والمسار، إن الأنقياء وأصحاب الدعوات يعشقون الشمس ويحبون السير في النهار فإذا ما جنّ الليل إما أن يوقدوا مشاعلهم ليكملوا السير على بصيرة أو أن ينيخوا مطاياهم ويركنوا إلى الرّاحة ليواصلوا السير في أنوار الشمس الواضحة، أمّا أولئك الذين يعمّون عنك الحقيقة كلّها أو جلّها فلا تصاحبهم في مرتحل ولا تسلِمهم قيادك فإن الاتّباع لا يكون إلا على بصيرة.

لا تفارق


لا تفارق عندما تختلف مع صديقك على الطريق الواصلة، فالطرق المتّبعة وسائل تخضع للاجتهاد ولكلٍ تأويله، ولكن إن اختلفتم على المقصد والوجهة فليكن شعارك "ولكلٍ وجهة هو مولّيها" وما دامت الوجهة قد اختلفت فلا سبيل للصحبة لأن الافتراق حتمًا واقع لأنّ المآل ليس واحداً، فجد السير إلى مرامك وادع لرفيقك المفارق بالتوفيق والسّداد واحفظ العِشرة وإن اختلفت المقاصد، ما لم تكونا
على طرفي نقيض فإن التناقض في التوجهات مظنة الخصومة، ولذا فاحرص على الرفيق بالمقاربة والتقريب.

السبت، 1 فبراير 2014

في جوف المِحن منح

قد يكون القبح فرصة ماسية للجمال ليلتفت إليه وقد يكون الاضطهاد فرصة لاظهار الثبات، وقد يكون الظلم فرصة لاظهار الصبر، كما يكون الموت فرصة لإصلاح الحياة، ويكون الظلام فرصة للحث على استدعاء النور، ويكون الطغيان فرصة لتعظيم العدل، وقد يكون الفشل سبيلاً للنجاح لتنصرف عن أمر لا يناسبك إلا ما فيه فلاحك.
تخرج المنح من قلب المحن، ويخرج الجنين ليبصر نور الحياة من ظلمة الرحم القاتمة، وسبحان القائل:
"يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويرزق من يشاء بغير حساب"

رسالة

لكل مكلوم ومظلوم ومضطهد ومريض ومدين وفقير وعقيم ومعاق ومسلوب ومبعد وأسير ومصاب، ولأهل كل واحد من هؤلاء. "إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم" قالها يوسف في نهاية السورة وما أروع قصة يوسف وهي تجلي لنا معنى اللطيف، فمن غيابات الجب إلى بيت العزيز إلى ابتلاء المراودة فالسجن بضع سنين فالتمكين إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم.

لطف الله

وما أعظم لطف الله في قصة موسى تلقيه أمه في اليم فيربيه عدوه الذي تخشاه ثم يقتل النفس فيفر بنفسه فيأوي إلى الظل يدعو "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" فيتزوج ويغتني ثم ينصح فرعون ويقيم عليه الحجة فينازل السحرة فيؤمنوا له ثم يشق له البحر هارباً فيكون هربه سبب هلاك عدوه ويكتب له التمكين "إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم"
وصدق الشاعر: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي بعض الناس بالنعم.

الاثنين، 27 يناير 2014

بين الهييييييييييه والييييييي هنا غزة

أفكارنا تعمل بالكهرباء
ثمان ساعات وصل ونظيراتها انقطاع
هذا هو جدول الكهرباء في غزة اليوم
في المساء اليوم الكهرباء موصولة وغدا في غياب
اليوم يجب أن أنجز أعمالي المكتبية وقراءاتي وكتاباتي
أعود من عملي في الثالثة مساءً اليوم توجد كهرباء لذا انتهز الفرصة فأذاكر وألغي كل الزيارات واتجاهل كل المواعيد فأنا اليوم في عيد
غداً يوم حداد لا كهرباء
لن أتمكن من إكمال ما بدأت كتابته اليوم
أستغل الغد في زيارة الأرحام والتواصل مع الجيران والأقارب
أفكاري تعمل بالكهرباء فلا تؤاخذوني لركاكة أسلوبي فالبطارية لم تأخذ وقتاً كافياً في الشحن.
شركة الكهرباء قطعت الكهرباء خلال الساعات الثماني التي كان من المفترض أن توصل فيها
أكل الانقطاع ساعتين بقيت لدينا ست ساعات
ما أجمل هتاف الأطفال هييييييييييييييييييييه اجت الكهرباء
وما أفظع خيبتهم ييييييييييي قطعت
بين الهيييييييه واليييييييييي نعيش
هنا غزة
سيبونا من الحكي الفاضي
انتو منورين :)

الأربعاء، 20 مارس 2013

سموم المحاباة

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولّى عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفًا ولا عدلاً حتى يدخله جهنّم" تُرى ما الذي يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتوعّد بمثل هذا الوعيد؟! إنّه لشيء جلل.
فلنتأمّل في عواقب هذا الأمر ولنحاول أن نمحور تلك المخاطر في محاور محدّدة:
أثره على المُحَابَى:
  1. عدم القيام بالأمانة والرّكون إلى علاقاته.
  2. سلوك  السبل غير السوية للوصول إلى مراده ومطامعة واتخاذ ذلك منهجاً.
  3. افساد قلبه وترسيخ الاعتقاد بأن الضر والنفع بيد ولي الأمر وضعف الاعتماد على الله.
  4. الحرص تكوين الجيوب بين أصحاب المصالح نتيجة لافتقارهم لمقومات المهنة فيتجمعون للحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم الباطلة.
أثره على الأكفاء من أقرانه:
  1. الإحباط وفقدان الرغبة في العمل وانعدام المبادرة.
  2. عدم الانتماء للمؤسسة.
  3. فقدان الثقة في قيادة المؤسسة.
  4. الشعور بالحقد على زميلهم وتلك الحالقة التي تحلق 
  5. بعض الأقران قد تفسد ذممهم ولا يحترمون المؤسسة وقوانينها وربما يستغلوها لمصالحهم الشخصية كنوع من الانتقام.
  6. بعض ضعاف النفوس قد يلجأ إلى تملّق أصحاب النفوذ وصرف الجهد لإرضائهم بدلاً من التركيز على العمل.
  7. الشعور بالغبن قال تعالى: ولا تبخسوا الناس أشياءهم.
أثره على بيئة العمل:
  1. تفشي الغش والرّشوة.
  2. النكوص عن النصح وقول الحق خشية الاقصاء.
  3. انتشار المجاملة على حساب الحق طمعًا في القرب والمحاباة.
  4. تجمع الموظفين في جماعات مصالح وتحزبهم في جيوب.
  5. عدم احترام قوانين المؤسسة وتغليب المجاملات طمعاً في المكاسب الشخصية.
  6. تفشي الأحقاد بين الناس.
  7. تعثُّر المؤسسة حيث سيُحارب المبدعون وأصحاب العلم من أصحاب القرار الجهلاء إما لجهلهم أو لخشيتهم من ظهور أصحاب الكفاءات مما سيظهر ضعفهم.
أثره على المحابِي:
  1. إفساد قلبه وتلبسه بالظلم.
  2. استجلاب دعوات المظلومين عليه.
  3. استحقاق لعنة الله للحديث المشار إليه أعلاه.
  4. الحرمان من النصح لأن الناس سيكثرون مجاملته طمعاً في محاباته.
  5. فقدان القدرة على التمييز بين الغث والسمين والمحب الصادق والمجامل الطامع.
  6. الإصابة بالكبر والغرور من تفشي التملّق.

السبت، 9 مارس 2013

أمل

قرعت جدران اليأس
قتلت شياطين الملل
ونفضت غبار الركود
وثرت على نفسي ثورة مغامر
فجددت ايماني بنهج صحيح
وصوبت توجهي
وثبت اقدامي نحو الأمام
وسرت بلا تردد ولا التفات
وشتتُّ الضباب بمصابيح الأمل
فبانت لي الطريق
واضحة رغم محاولات التشويش
ممهدة رغم ما فيها من أذى
عذبة رغم عذاباتها
وفي نهاياتها
جنات..
وعيون..
وظلال وارفة..
ومقام كريم..
ونعيم مقيم
وصحبة ليس لها مثيل
ومزيد ومزيد...
فهل من رفيق نحو العلا والنور
تلك الطريق التي عشقت رغم ما فيها لأن أبائي فيها الصحب الكرام، وأجدادي الأنبياء عليهم السلام وراسم الخطى فيها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فحي على الفلاح.

الاثنين، 4 مارس 2013

قلوب متآلفة

تسترسل الأفكار كشعاع الشمس في سماء غائمة، يتسلل الضياء من بين تلك الغيوم، يصل دافئاً منيراً، يبعث في النفس الهمّة والنشاط، تتفاعل الأفكار في الرأس لتولد أفكاراً أخرى، ينشط فيك داعي الخير أيّما نشاط، فتتقلّبُ في الفراش كما فعل أبو مسلم الخرساني، فيسألونك كما سألته أمُّه: ما بك؟ فتجيب همّة تناطح الجوزاء.
صورة جميلة شاعرية رائعة، تغدو ربيعًا زاهراً إن تبعها قيام ونهضة تحمل أحجارك، وترفع البناء فإذا هو شاهق، تراه شاهقاً لكنك سترى بجانبه أبنيةً تعلوه بمراحل، حتى يبدو بناءك بجانبها مصطبة، لا لشيء إلا لأنَّك بنيته وحدك، فإن يسّر الله لك في البناء أعوانًا بنيت بنيانا شامخاً شاهقًا بحق لا كالذي بني أولاً وخرجت من مرحلة المصاطب، ودرجت على أول مراقي ناطحات الغيوم لتصلك الشمس حزمًا حزمًا، يغمرك ضياؤها، ويشملك دفؤها، ولكن كلَّما ارتقيت وجب عليك مزيد من الاحتياط فلا بد لك من الانتباه للرياح العاتية في قمة الناطحات، والتحسُّب لبرودة الطقس في العلياء، ذلك أن للعمل الجماعي آفاتُه، فلا بد لك من الانتصاب قدوة تترفع عن الصغائر حتى لا تعصف بجمعك ريح التنافس، ولا بد لك من تربية تصون الجمع في سيره فلا يتفلت منه متفلّت، ذلك أنه كلما عظم البنيان زادت  التحديات، ولا سبيل لحفظ الجمع على الدرب غير الإخلاص والتخلية الجالبة للتحلية، والإيمان جامع القلوب، والتوكل والتجرُّد، والتبرُّءُ من الحول والقوة إلا بالله فهو سبيل الخلاص، وجالبُ الألفة، لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما أّلّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم.

الخميس، 21 فبراير 2013

الحرية سامر

214 يوما من الإضراب عن الطعام لا تكفي للفت انتباه مشاعر الإنسانية المرهفة لمعاناة صاحبها، لأنه ببساطة ليس من بني البشر، ولأن المساواة فقط بين بني الإنسان، كما أنه ليس من بني الحيوان لأن جمعيات الرفق بالحيوان أيضاً لم يلفت انتباهها جوع أسد سجين لمدة 214 يوماً، لأنها ببساطة أيضاً لا تعتبره من الحيوانات.
سامر العيساوي وأيمن الشراونة جسدا أزمة الإنسانية في عصر طغيان حضارة الغرب المتمدنة، المثال الذي تسعى "النخبة" العربية للاقتداء به، وصعت رؤوسنا به، للأسف الكذب زيت المقلاة التي تطبخ به طبخاتهم، والبلادة نحو نصرة المستضعفين من فلسطين إلى سوريا إلى ميانمار، وكل بقعة ليس فيها مال يسرق.
ما نشاهده اليوم يمكن التفكر فيه والخروج بعدة خلاصات من أهمها:

  1. الأخلاق ليست دافعاً للدول النافذة في العالم للتحرك فقد فقدوا حياءهم منذ زمن.
  2. ملف الأسرى لا يتحرك إلا بالقوة وليس هناك من سبيل لتحريرهم إلا بالمبادلة.
  3. التفاعل الشعبي مع قضية الأسرى أقل من المستوى المطلوب كما نلمس والفعاليات الجماهيرية ليست بالزخم المطلوب.
  4. العالم يحترم القوي فقط.
  5. للمستضعف وسائله لكسر الجبروت ورفض الذل، وإعلاء كرامته.
  6. ميثاق حقوق الإنسان ينادي بالمساواة وقد تورط في العنصرية والتمييز في التطبيق. وعنصرية في تطبيقها.
  7. ليس لليهود عهد  ولا ذمة فقد اعتقلوا أيمن الشراونة وسامر العيساوي اللذان أفرج عنهما ضمن صفقة وفاء الأحرار.
وفي الختام:
صوم يوم يشعرك بمعاناة الأسرى المضربين عن الطعام، ويعطيك فرصة للدعاء في وقت استجابة ساعة الإفطار، ويعطيك فرصة للتدبر فأنت ستنهي صيامك وتأكل بينما هم مستمرون تحت الألم الذي أوجع بطنك فلا تنساهم.
اللهم فك أسر المأسورين، وأحسن خلاصهم يا رب العالمين.


الاثنين، 18 فبراير 2013

أناجيني لأنتصر

أدوم العمل أخلصه وإن قل..
تحسن لأحدهم بقلبك وجوارحك، فيقول وارهم ما دمت في دارهم وأرضهم ما دمت في أرضهم، تسير في حاجته أكثر من سيرك في حاجتك إيماناً منك بأن ذلك خير لك من عبادة سبعين سنة، فلا تجد امتناناً ولا شكراً.
ينتهز الشيطان الفرصة ويؤزك على التوقف عن فعل الخير أزاً، ويوسوس ليزيد الجرح ويرش عليه الملح، وتكون هزيمتك الثانية إن أطعته وتخليت عن كريم شيمك.
قد يقول قائل مثالية جوفاء، ومبالغة في ادعاء الأخلاق، ويوسوس آخر ضعيف أنت لا تقوى على رد الأذى، وينفث رابع اصنع المعرووف في أهله أما سمعت الشاعر إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أكرمت اللئيم تمردا!! أولئك شياطين الإنس في ثياب الناصحين، إن أطعتهم تكون قد تلقيت هزيمة نكراء، وأضفت إلى خسارتك صاحبك خسارتك نفسك، ويكون عدوك قد أفلح.
هذه ليست مثالية يا عزيزي فهدي خير الأنام مع اليهودي رامي القمامة علامة وشامة ودليل، وهمة المرء تعلو به أو تدنيه، وقد صاحبنا أناساً اتبعوا النبي اقتداءً فكانت أخلاقهم في العلياء تتصاعد لما تساموا عن رد إساءة المسيء، بل وزادوا في احسانهم طمعاً في قرب الحبيب، وقرب الجوار على قدر ملازمة الهدي.

الاثنين، 31 ديسمبر 2012

الجذب على قدر البذل

من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه
يا لها من كلمات..
تاملتها ودارت في رأسي أفكار..
غصت في معانيها أسبر الاغوار..
كلمات عميقة..
لله درك يا شافعي..، ولله درك يا راشد لما أحييتها..
ما أسهل الكلام عن الفضيلة..
ما أسهل الحديث عن الترفع.. والاستعلاء.. والزهد.. والتقلل من الدنيا..
كلام سهل ميسور..
ما أسهل الكلام عن الأخوة.. والإيثار.!!
ما أسهل الكلام عن الشمائل السامية العلية..
وما أصعب التطبيق.

إن أعظم وسائل الدعوة وتأليف القلوب السعي في مصلحة العباد..
وأرقى القلوب تلك القلوب التي تحمل هموم الآخرين..

تلك قلوب وأبدان تتمغنط بالطاعة والسعي في حاجات الخلق فتتولد لها قوة جاذبة تشد الناس من حولها
فتصبح بؤرة أو مركزاً والناس يدورون في فلكها.
وكلما وجهت قواها نحوهم زاد تعلقهم بها وانجذابهم إليها..

والعكس بالعكس..
عندما يَغيب الداعية أو يُغيَّب ويتيه في ظلمات نفسه وشهواتها، 
وتطلبه وتطالبه وتحرفه عن مساره وسجيته فإن استجاب بدأ يفقد تلك الجاذبية
ويكون مقدار الفقد على قدر استجابته لشهوات نفسه

وتبدأ الفيزياء تعمل عملها فكلما وجه قوته لنفسه فقد تلك المغناطيسية وتبدأ تلك الجموع بالانفضاض شيئا.. فشيئاً
ويبدأ الأفراد بالتفلت من المدارات، وتبدأ الجماعة بالانحلال..
ثم يتساءل هو في بلاهة..
لم هذا الفتور؟!
ولم قلت حماسة الأتباع؟!

فيلتبس عليه تحديد المشكلة، ويلقي باللائمة على جموع التابعين، والحق أن العيب في موضع آخر

الخميس، 8 مارس 2012

كي لا تتهاوى الحصون

 أكتب هذه الخاطرة وأنا في قطار السكة الحديدية متوجهاً إلى الإسكندرية وحولي مجموعة من الأجانب يتجاذبون الحديث ومعهم مجموعة من المصريات وليس بينهم مصري ذكر واحد، أسمع قهقهات ضحكاتهم تملأ المكان في غير ما ترو، أو أدنى درجات الذوق الراقي الذي تسربلت به حضارتنا الشرقية التي نعتز بها، أظنهم يرون أنفسهم يصعدون معارج المجد وهم يتهاوون إلى أسفل الحضيض، وأتذكر مثل العقاد الذي ضربه للغراب يقلد مشية الحجل ونسي مشيته الفطرية فلا هو صار حجلاً ولا بقي غراباً، أتساءل عن أسباب هذا الاغتراب الحاصل لأبنائنا وبناتنا حتى أضحوا يتشبثون بكل غريب، وانبهروا حد الانهيار فصاروا لقمة سائغة لكل دخيل، وأتساءل عن المهمة التي يؤدونها في يوم جمعة أغر ويتطلب سفرهم من القاهرة إلى الإسكندرية، ثم أتساءل عن دور الأسرة في متابعة الأبناء وتقديم النصح لأبنائها والتكافل الاجتماعي الذي يمتد خارج حدود المادة إلى تحصين الأسرة نفسها بإطار من القيم المنتظمة لتشكل بوصلة توجه السلوك وتحدد معالمه. وسط كل تلك التساؤلات التي عصفت بذهني للحظات، يدوي صوت هادر في أعماق أعماقي يهزأ بكل مسخ صاغ شخصيته وفق هوية غيره واعتنق أفكاراً ومبادئ بالية رغم امتلاء جيوب حضارته بالماس وثمين الجواهر، لكنه الانهزام الثقافي والتشويش العقلي المتعلق بقيم المرء، وتاريخه وهويته، إن أصاب شخصاً ما أصبح مطية أو قل بهيمة تساق.
وكيلا تتهاوى الحصون لا بد من تمتين النواة الأولى للمجتمع "الأسرة"، ولا بد من إحاطتها بسور واق من القيم الحامية الحافظة وتبصير افرادها بهويتهم، وغرس الاعتزاز بها في نفوسهم، حتى لا يصعدون نحو نهايتهم.

الخميس، 16 فبراير 2012

سل هذا فيما نقلني

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ، ثنا الْفَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ ،عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " يَجِيءُ الْمَقْتُولُ آخِذًا قَاتِلَهُ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَمًا عِنْدَ ذِي الْعِزَّةِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي ؟ فَيَقُولُ : فِيمَ قَتَلْتَهُ ؟ فَإِنْ قَالَ : قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلانٍ ، قَالَ : هِيَ لِلَّهِ " .
استحضرت هذا الحديث وأنا أرى كل يوم تنقلات في وزارات الحكومة ومؤسسات الدولة حيث ينقل الموظفون من موقع لموقع وقد يتنقل الموظف بين أربع أو خمس أماكن في أقل من عام فوقع في قلبي أن هذا الموظف المسكين قد يسحب المسؤول الذي نقله يوم القيامة فيوقفه أمام ربه فيسأله: سل هذا فيم نقلني.
وقد رأيت أغلب التنقلات دافعها القرابة والجيرة والمعرفة والرتبة التنظيمية، وغيرها مما لا علاقة لها بالعمل وأصول المهنة فاستحضرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، قَالَ : شَيَّعَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ , فَقَالَ : يَا يَزِيدُ ، إِنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ ذَا قَرَابَتِكَ , وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ وَلَّى ذَا قَرَابَتِهِ مُحَابَاةً وَهُوَ يَجِدُ خَيْرًا مِنْهُ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " .
والحقيقة أن المسئولية في العمل الحكومي تعطيك سلطة تفعل بها ما تشاء فالموظف الحكومي مسكين لا حول له ولا قوة وهو بيد مولاه "رئيسه في العمل" يوجه حيث يشاء، ولكنها كلمة أهمس بها صراخاً في أذن كل مسئول تذكر موقفاً يتظلم فيه من ظلم فيقول: "سل هذا فيم نقلني".

الخميس، 12 يناير 2012

ايكولوجيا المفاهيم (4) طابور الحياة

أبدأ الحكاية من أحد الشوارع في إحدى المدن المنسية بسبب انعدام النظام، أكوام من البشر على باب محل قيل إنه مخبز، يتدافع الناس.. يتصارعون.. كل منهم يريد ربطة خبز، يتنافس المتراكمون أيّهم يأخذ ربطته أولاً، وتدور بين الفينة والأخرى جولة من المصارعة بين اثنين من المتراكمين أيّهم يأخذ ربطته أولاً، يأتي ثالث ينادي على بائع الخبز، فيخبره بأن يدخل من الباب الخلفي، يدخل الرجل يأخذ ربطته من فوره فهو رجل صاحب نفوذ وعلاقات فنحن في زمن بائع الخبز رجل له وزن، فهو يستطيع أن يعطيك الخبز قبل الآخرين، ويجنبك الانتظار، وساحة المعارك بعيداً عن كتلة البشر المتصارعة.
بعيداً عن ساحة المعركة وفي أطراف المشهد وقف رجل مهيب، تبدو عليه أمارات العلم والتحضر،  ينتظر في مشهد يدفع للتساؤل عن سبب وقفته هكذا فيما الناس منشغلون بتدبير أرزاقهم، يقترب منه السيد نظام ليسأله عن ذلك، يجيب الرجل أقف انتظر حتى يحين دوري لآخذ ربطة خبز حين يحين دوري. ضحكة مجلجلة تملأ المكان يطلقها نظام ويقول له إذن لن تجد خبزاً تأخذه، يندهش الرجل ويجيب ولمَ؟، يجيبه نظام لأن النظام هو غياب النظام.
عندما تنعدم المعايير، ويغيب تكافؤ الفرص ونعيش حياة الغاب ويغيب المنطق عن الأشياء يصبح عاشق النظام محلاً للسخرية والاستهزاء، ويصبح الاستثناء هو القاعدة، والقاعدة هي الاستثناء، ويصبح الطبييعي مستهجناً والمستهجن طبيعياً، هل أدركتم ما نفعله حين نفتح الأبواب الخلفية فيعطى أصحاب النفوذ، وندفع الناس إلى التصارع فيما يصبح عقلاء الناس محلاً للسخرية والاستهزاء.

الخميس، 5 يناير 2012

عقوق المتربين ألم عميق

مؤلم جداً أن نحب من كل قلوبنا، نحب الفناء لأجل من نحب، ونعشق تراباً داس عليه صغاراً رأيناهم يكبروا أمام أعيننا، واعتبرنا رسالتنا أن نعبر بهم إلى بر الأمان، فلما اشتدت أعوادهم أساؤوا معنا أدبهم، وطالت علينا ألسنتهم، ورمونا بسهام العصيان، وظنوا أنهم كبروا، وما كبروا، بل صغروا كثيراً لأن الكبار كبار الشيم.
قد تصيب القلب غصة للحظات من تمرد حبيب رعيت وداده دهراً، ودعوت له في صلواتك وخلواتك، وتمنيت له السلامة من الكرب، وجاهدتك جهدك لتتجاوز به المحن، وأتعبك وكانت ولادة نجاحه قيصرية، وكان قلبك يتقطع عليه كل يوم وأنت تدفعه لانجاز رحلته قبل فوات أوانها، ثم لما ظن أنه قد خرج من عنق الزجاجة كافأك بسوء الادب، وطول اللسان، وربما تشبع قلبه بعظيم نكران.
أقول لكل أب ومرب وراع خاب ظنه في نبتته، احتسب عند الله أجرك، وارم بذيئاً من عقلك فالأصفار ليس لها اعتبار.