أحياناً تزورني خاطرة فأرغب في كتابتها، وأمكث دقائق طويلة أنظم أفكاري، وأستجمع شتاتها أحاول أن أخرج منها ما خطر لي، ولكني أفاجأ بأن قلمي لا يسعفني، ويداي لا تواكبان سيل أفكاري، وأحياناً أفكاري تبقى مجرد خيالات مشوشة لا معالم لها، فلا تسعفني كلماتي في رسم معانيها بدقة، فأبدأ الكتابة كطفل يتعلم الحبو، او كصغير يتعلم السباحة.
لا أخجل أبداً من هذا الشعور، بل قد ينتاب هذا الشعور كل أحد حتى أولئك الذين لمعت أسماؤهم، وبرزوا أو برّزوا، ما أود تقريره هنا، هو أن صيد الخاطر فن راقٍ، وأن الخواطر لا تأتي في كل حين، بل هي ضيفة محبوبة مدلّلة تأتي وقتما عنّ لها، فإذا جاءت فشد وثاقها بالتدوين، ولا تدعها تفلت من بين يديك.
هذا الدرس في عالم الكتابة له انعكاس في واقع الحياة، فالحياة فرص، والنفس لها إقبال، وإدبار، فإذا سنحت لك فرصة، أو أقبلت نفسك ووجدت منها همة، وإرادة وعزيمة ورغبة في الجد والمثابرة، فإياك أن تضيع تلك الفرصة النادرة، بل تشبث بها وشد وثاقها، وتربص تربص المستبصر الخبير، وتريث وليكن انقضاضك على جوهر الفكرة في الوقت المناسب،ـ وحبذا لو كان قريباً من نهاية خاطرتك، فذلك أبقى أثراً وأعظم منفعة، لأن الأمور بخواتيمها، وآخر ما يقال هو أكثر ما يعلق في الذهن.